السبت، أكتوبر 31، 2009

مسيرة دول البلقان نحو الاتحاد الأوروبي

مسيرة دول البلقان نحو الاتحاد الأوروبي

*هاني صلاح

تقع منطقة البلقان في الجزء الجنوبي الشرقي لقارة أوروبا، وتصل مساحتها إلي نحو 728 ألف كم مربع، بينما يتخطي عدد سكانها حاليا ال- 60 مليون نسمة. وقد اشتق اسم المنطقة من سلسلة جبال البلقان التي تمتد من أواسط بلغاريا حتي شرقي الجمهورية الصربية. وقد كانت منطقة البلقان حتي عام 1991 تتضمن 6 دول أساسية هي: رومانيا، وبلغاريا، وتركيا (باعتبار الجزء الأوروبي فيها)، واليونان، وألبانيا، والاتحاد اليوغوسلافي السابق. وبعد تفكك الأخير إلي سبع جمهوريات، هي: صربيا، التي تعد نفسها الوريث الشرعي للاتحاد، ومقدونيا، والجبل الأسود، والبوسنة، وكرواتيا، وسلوفينيا، ثم كوسوفا، التي أعلنت استقلالها في 17 فبراير من العام الماضي 2008 من طرف واحد، واعترفت بها أغلب دول الاتحاد الأوروبي، أضحت المنطقة تمثل 12 دولة، تتشكل من عرقيات مختلفة متعددة الثقافات واللغات والديانات.

وتتصف منطقة البلقان بالتوترات والصراعات الداخلية، نظرا للتعددية العرقية والدينية والثقافية الشديدة التعقيد، إضافة لكون هذه المنطقة الاستراتيجية تقع جغرافيا بين قوي دولية عظمي متنافسة، وتحتضن أهم الطرق والممرات الدولية الاستراتيجية، والتي تربط قارة أوروبا بالشرق. كل ذلك أدي لأن تكون منطقة البلقان مسرحا للتدخلات الخارجية، منطقة غير مستقرة، منطقة للصراعات المستمرة والتدخلات الخارجية، نظرا لأنها مرتبطة بالصراع الدولي بين القوي العالمية الكبري، والتي ظلت في السابق -ولا تزال- تسعي من أجل فرض سيطرتها العسكرية وبسط نفوذها السياسي والاقتصادي علي منطقة البلقان الاستراتيجية، التي تمر بها أهم الطرق والممرات التي تربط بين غرب أوروبا والشرق.

وقد اندلعت الشرارة الأولي لكثير من الحروب الأوروبية خلال القرن العشرين من هذه المنطقة الاستراتيجية الواقعة جنوب شرق أوروبا، ابتداء من حربي البلقان الأولي والثانية، ثم الحرب العالمية الأولي، ومرورا بتفجر النزاعات المسلحة بين جمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي السابق في تسعينيات القرن العشرين، والتي انتهت بتدخل الناتو في حرب كوسوفا 1999، في أول حرب أوروبية - أوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وبالرغم من أن تلك الأحداث التي تمت خلال العقد الأخير من القرن العشرين في منطقة غرب البلقان، وبالتحديد داخل الاتحاد اليوغوسلافي السابق، قد أسفرت عن تفتت هذا الاتحاد إلي 7 دول بالتدريج، إلا أن المنطقة بكاملها كانت - ولا تزال- مرشحة لحروب إقليمية أخري مع دول الجوار أو لتفجر أي نزاعات جديدة داخل الدول نفسها، نظرا للخريطة العرقية المعقدة للمنطقة، والتي تعكس نتائج الصراعات الطويلة والمتكررة التي شهدتها المنطقة خلال عدة قرون سابقة. ومنذ انهيار حائط برلين، ثم تفكك الكتلة الشرقية، ممثلة في حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفيتي السابق، شهدت منطقة البلقان فراغا لم تشهده من قبل خلال القرن العشرين، يتمثل في غياب هيمنة قوي عظمي دولية عليه، وهو الأمر الذي فتح الباب لسلسلة من الحروب الإقليمية والنزاعات الداخلية، التي تركزت غرب البلقان، وبشكل أساسي في إطار جمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي السابق .

ولم تكن هناك قوة مرشحة لملء هذا الفراغ، والتصدي للحروب، التي اندلعت خلال فترة التسعينيات بين الجمهوريات اليوغوسلافية، سوي الطرف الآخر المنافس (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية)، والذي بدأ في حصد ثمار انتهاء الحرب الباردة بتفكك حلف وارسو وانهيار الكتلة الشرقية، وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي السابق..

وبعد أن كانت استراتيجية الغرب لمواجهة الكتلة الشرقية خلال فترة الحرب الباردة تستند إلي تنسيق مشترك تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، إلا أنه بعد انتهاء الحرب الباردة واختفاء حلف وارسو، برز تدريجيا وبشكل متصاعد مساران جديدان بجانب المسار التقليدي التنسيقي بين قوي الغرب ككل في التعامل مع البلقان.

المسار الأول: تمثله الولايات المتحدة الأمريكية، التي وجدت في منطقة البلقان وما شهدته من تحولات جوهرية في فترة التسعينيات من القرن الماضي فرصة تاريخية لها، لكي تؤسس لوجود دائم -عسكري- يكون مرتبطا بها مباشرة في مسار مستقل عن مسار الناتو.

المسار الثاني: تمثله دول الاتحاد الأوروبي، التي سعت إلي بسط نفوذها علي منطقة البلقان، تمهيدا لضمها إلي مشروع أوروبا الموحدة والآمنة من الحروب والنزاعات الداخلية، والذي يعني منع عودة النفوذ الروسي من جديد إلي تلك المنطقة، وعدم ترك الساحة لقوة أخري كي تحقق مصالحها الخاصة بها، والتي قد تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي، حتي لو كانت تلك القوة حليفة لها كالولايات المتحدة الأمريكية.وتتصف هذه المعادلة أو تلك اللعبة السياسية بالمرونة... (ملخص)

------------------
* باحث متخصص في شئون منطقة البلقان.

ليست هناك تعليقات: